أوبك والأسواق العالميةشرق المتوسطمخاطر جيوسياسية

دور الغاز والنفط بهدوء واشتعال الصراع المسلح في ليبيا.. “بترو_بوست” تفتح الملف الشائك

اطراف محلية ودولية تدخل على خط الصراع بعد إعلان الحكومة الليبية رفعها الراية الحمراء لمنع تدفق النفط والغاز ووقف تصديرهما بـ" القوة القاهرة"

في 24 يونيو الماضي، هدد أسامة حماد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان ومقرها شرق البلاد، بوقف صادرات النفط والغاز الليبية من المناطق الخاضعة لسيطرتها، معتبرا أن الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة، ومقرها العاصمة طرابلس، تهدر عائدات الطاقة.

وقال حماد، في بيان أصدره يومها إنه اتخذ في خطوة أولى قرارا بـ”الحجز الإداري” على عائدات نفط من عام 2022 “تزيد عن 130 مليار دينار” (حوالى 27 مليار دولار).

وأضاف أنه “إذا استدعى الأمر، فإن الحكومة الليبية سترفع الراية الحمراء وتمنع تدفق النفط والغاز ووقف تصديرهما باللجوء للقضاء واستصدار أمر بإعلان القوة القاهرة”، و “القوة القاهرة” التي أشار لها “حماد” هي إجراء قانوني يسمح للشركات بتحرير نفسها من الالتزامات التعاقدية في ضوء ظروف خارجة عن إرادتها، وفقا لفرانس برس.

 

بترو بوست
أسامة حماد يجدد مطالبته بـ “الحجز الإداري” على عائدات النفط ويهدد بإغلاقها

وأشار  “حماد” إلى أن حكومته التي تتنازع على الشرعية مع حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، مستعدة لمزيد من الخطوات بما في ذلك “منع تدفق الغاز والنفط ووقف تصديرهما” عبر السعي للحصول على أمر قضائي لهذا الغرض.

إلى ذلك فإن ملف النفط في ليبيا يبرز إلى الواجهة من جديد، وينذر بمشهد قاتم، في بلد يعاني انقساما سياسيا حادا منذ الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي، قبل نحو 12 عاما، حيث هددت الحكومة المكلفة من البرلمان في الشرق بوقف تصدير النفط، فيما حذر السفير الأميركي، ريتشارد نورلاند، من الخلاف بشأن مسألة توزيع إيرادات النفط وإمكانية تغذية الصراع بسببها.

هذا وتملك ليبيا أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا، لكنها غارقة في صراعات على السلطة منذ أطاحت ثورة، دعمها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بنظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، والبلد منقسم بين حكومة طرابلس برئاسة رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، وحكومة، أسامة حماد، التي تعمل في الشرق بدعم من البرلمان والقائد العسكري القوي، خليفة حفتر.

وفي قلب هذا الصراع تبرز أهمية السيطرة على موارد النفط والبنى التحتية لإنتاجه وتصديره وإيراداته إذ تعتبر المحرك الرئيسي للصراع الذي تساهم فيه العديد من القوى الأجنبية وعدد كبير من المجموعات المسلحة مختلفة الولاءات، وفقا لفرانس برس، وسبق أن حاصرت قوات حفتر حقول نفط ليبية وموانئ تصدير في خليج سرت (وسط).

وتطرح تساؤلات بشأن قطاع النفط الليبي والجهات المسيطرة عليه في البلد المنقسم بين الشرق والغرب، وعن كيفية مساهمة إيرادات النفط في الصراع، والحلول اللازمة لتفادي هذه المشكلة وانعكاساتها السلبية المحتملة على الليبيين.

وهددت السلطات المتمركزة في شرق ليبيا بفرض حصار على صادرات النفط بسبب استخدام حكومة طرابلس لعوائد الطاقة، متهمة إياها بإهدار مليارات الدولارات دون تقديم خدمات حقيقية، وفقا لرويترز.

وفي ذلك، قال المبعوث الأميركي الخاص، السفير نورلاند في تصريح نشرته وسائل الإعلام 30 يونيو الماضي: “تدعو الولايات المتحدة الفاعلين السياسيين الليبيين إلى الابتعاد عن التهديد بإغلاق النفط الذي من شأنه أن تكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد الليبي ستضر بكل الليبيين. ندعو كل القادة الليبيين إلى وضع آلية شاملة للتحكم في الإيرادات كطريقة بناءة لمعالجة التظلمات بشأن توزيع عائدات النفط ولإرساء الشفافية دون المخاطرة بسلامة اقتصاد ليبيا أو الطبيعة غير السياسية للمؤسسة الوطنية للنفط”.

وجاء الرد من حماد، الذي قال، “عندما لوحنا بالراية الحمراء لإيقاف تدفق إيرادات العائدات النفطية، ووضعناها تحت الحراسة القضائية، قصدنا بذلك أنه في حال عدم التزام المؤسسات المعنية في طرابلس بتنفيذ أحكام وقرارات القضاء للحفاظ على قوت الليبيين، الذي وقع تحت تصرف حكومة منتهية الولاية تبدده بالمجان، ستكون لنا خطوات أخرى للحفاظ على أموال الدولة وكف أيدي العابثين”.

وأضاف “أوجه المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، باحترام سيادة القضاء الليبي وعدم التدخل بالانحياز لأي طرف كان، وعدم تغليب المصالح الخارجية على مصالح وحقوق الشعب الليبي. وأوجهه إلى عدم إلقاء التصريحات الإعلامية دون معرفة أو دراية لحقيقة الأمر، كون ذلك يعتبر تدخلا سافرا في شؤون الدولة الليبية”.

وأشار إلى أن “الواضح أن هذه التصريحات مبنية على دعم طرف واحد مستفيد بإهدار أموال الشعب، في ظل عدم وجود آلية صحيحة وشفافة لإدارة عائدات وإيرادات النفط والغاز. والخطر الحقيقي ليس في إيقاف الإيرادات النفطية أو إيقاف تصديرها، إنما الخطر هو سرقة وإهدار الأموال برعاية دولية”.

ودعا حماد “مجلسي النواب والدولة بالإسراع لاتخاذ الخطوات العملية للوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتشكيل سلطة موحدة لإدارة شؤون البلاد ومواردها”.

من جانبه قال المبعوث الخاص السفير نورلاند،: “مسألة كيفية توزيع إيرادات نفط ليبيا المهمة هي إحدى المسائل المتسببة في الصراع في ليبيا. وبالتالي يسعدني أن تعليقاتي الأخيرة قد أثارت نقاشا بمثل هذه الفائدة بين القادة الليبيين. لا تزال الولايات المتحدة تدعم باستمرار جهود المجلس الرئاسي ومجلس النواب الليبي وحكومة الوحدة الوطنية وغيرها لوضع آلية شفافة وقابلة للمساءلة للتصرف في الإيرادات”.

وأضاف “كنا ولا نزال دائما نؤمن ونصرح بأن الليبيين وحدهم القادرون على تقرير هذا الموضوع وأنه لا ينبغي لأي جهات أجنبية السيطرة عليه. ولقد لاحظنا تقدما حقيقيا بشأن هذه المسألة في الأيام الأخيرة بين المؤسسات ذات الصلة ونحن نشجع القادة على التوصل إلى اتفاق. هذه فرصة لبناء الثقة ومعالجة المخاوف المهمة والمشروعة بشأن الفساد وضمان أن الإيرادات الضخمة التي تتراكم من إنتاج ليبيا المستمر للنفط تعود بالفائدة على كل الليبيين. أرحب بفرصة تبادل وجهات النظر مع القادة الليبيين حول هذا الجانب المهم من مستقبل ليبيا”.

حقل الشرارة االنفطي في لبيبا

وقالمصدر ليبي مطلع لـ”بترو وبست” إن “الانقسام السياسي في ليبيا للأسف يأتي في إطار عدم توافق النخب السياسية على توحيد المؤسسات السيادية وعندما ننظر إلى تقارير الرقابة الصادرة في طرابلس نجد أن هناك نسبة كبيرة من الفساد المستشري في قطاع النفط”.

وأضاف أن “هدف خطوة أسامة حماد هي الحفاظ على ما تبقى من ميزانية العام السابق، ومن إيرادات هذا العام”، وكانت حكومة الوحدة الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة  قد أعلنت في يوليو الماضي عام 2022، أنها عينت المصرفي البارز، فرحات بن قدارة، رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط، خلفا لمصطفى صنع الله، الذي سارع إلى رفض قرار إقالته.

وينص القرار الذي وقعه الدبيبة في السابع من يوليو 2022، على تعيين بن قدارة رئيسا لمؤسسة النفط وأربعة أشخاص آخرين أعضاء في مجلس إدارة المؤسسة.

وتركز الجهود الدبلوماسية الرامية إلى حل دائم للصراع في ليبيا على التحرك نحو انتخابات وطنية، وهو هدف تعلن جميع الأطراف تبنيه، لكنه تعرض لإحباطات متكررة بسبب خلافات حول قواعد الانتخابات والسيطرة المؤقتة على الحكومة، وفقا لرويترز.

وقال المُشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني»، المتمركز بشرق البلاد، في 17 يونيو الماضي، إنه يؤيد خطوة من جانب برلمان الشرق وهيئة تشريعية أخرى لتعيين إدارة مؤقتة جديدة، في تحد واضح للحكومة الحالية في طرابلس.

المُشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني»

وفي يونيو الماضي، قررت محكمة في شرق ليبيا أن الإدارة في الشرق فازت في قضية ضد المؤسسة الوطنية للنفط للسماح لها بالسيطرة على حسابات الشركة.

وركزت نوبات الصراع السابقة في ليبيا والمناورات السياسية على السيطرة على عائدات الطاقة الكبيرة للبلد العضو في أوبك، إذ إنها المصدر الرئيسي لدخل الدولة.

وبموجب الاتفاقيات المعترف بها دوليا، فإن المؤسسة الوطنية للنفط هي المنتج والمصدر الشرعي الوحيد للنفط الليبي، ويجب أن تكون المبيعات من خلال مصرف ليبيا المركزي، الذي شأنه شأن المؤسسة يتمركز في طرابلس.

وطوال فترة الصراع في ليبيا، تعمل المؤسسة في جميع أنحاء البلاد بغض النظر عن خطوط المواجهة ويواصل البنك المركزي دفع الرواتب، بما في ذلك رواتب العديد من مقاتلين الطرفين المتنافسين في جميع أنحاء البلاد، وفقا لرويترز.

في المقابل، لم تعلق حكومة الوحدة الوطنية الليبية بشكل مباشر على تصريحات حماد أو نورلاند أو حفتر، بل اكتفت بنشر تفاصيل لقاء بين الدبيبة وبن قدارة.

وقالت في منشور على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك “اجتمع رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، مع رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، في ديوان رئاسة الوزراء بالعاصمة طرابلس”.

وأضافت “بحث الاجتماع خطة المؤسسة الوطنية لزيادة إنتاج النفط والغاز، والإجراءات التنفيذية لخطة تطوير القطاع وفق الميزانية المحددة”.

وأكد الدبيبة ضرورة توحيد جهود مؤسسات الدولة كافة لصالح قطاع النفط والغاز بغية زيادة الإنتاج، وضرورة تحقيق مبدأ الإفصاح عن المصروفات التشغيلية والتموينية للقطاع النفطي.

وشدد رئيس الوزراء على “إيلاء حكومة الوحدة الوطنية أهمية لتحقيق مبدأ الشفافية في الإنفاق الحكومي، منوها بأن أولوية الحكومة تمكين المواطنين في جميع مناطق البلاد من الاستفادة من العائدات النفطية”.

ووفقا لإدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة، فإن ليبيا عضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وتمتلك أكبر احتياطيات نفط خام مؤكدة في أفريقيا، وتعتبر مساهما مهما في الإمداد العالمي للنفط.

وتصدر ليبيا عادة معظم نفطها الخام (70% إلى 80%) إلى الدول الأوروبية، مع كون إيطاليا المستفيد الأول.

وزاد إنتاج ليبيا وصادراتها من الغاز الطبيعي بشكل كبير بعد عام 2003 مع تطوير مشروع غاز غرب ليبيا وفتح خط أنابيب “غرين ستريم” إلى إيطاليا. وتعد إيطاليا حاليا المتلقي الوحيد لصادرات ليبيا من الغاز الطبيعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى