عبده مغربي يكتب.. حركة الترقيات المشبوهة في وزارة البترول تكشف واقعًا مريرًا بالقطاع
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا بين صفوف الموظفين ، أصدر المهندس طارق الملا، وزير البترول السابق، مجموعة من الترقيات والتعيينات في ساعات ما قبل رحيله، مما أثار تساؤلات عديدة حول توقيت ودوافع هذه القرارات. هذه الترقيات، التي بدت وكأنها مكافآت لأفراد مقربين من الوزير السابق، جاءت في وقت يصفه خبراء القطاع بـ”فترة الريبة”، عندما سادتْ حالة من عدم اليقين في فرص بقاء المُلّا، أثارت قراراته تلك الكثير من الشكوك حول سلامتها ومدى استنادها إلى الكفاءة المهنية والفنية.
من بين الأسماء التي شملتها الترقيات، جاء تامر إدريس، الذي قفز من منصب مدير عمليات في شركة خالدة إلى نائب رئيس الهيئة للإنتاج، هكذا دفعةواحدة و في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ قطاع البترول. يبدو أن هذه الترقية جاءت كمكافأة لإدريس على دوره في دمج شركتي خالدة وقارون، وهي عملية أثارت الكثير من الانتقادات بسبب تكلفتها العالية التي أضاعت على الدولة مليار دولار.
للمزيد من المعلومات حول عملية الدمج هذه طالع التقرير التالي
هذه القفزة الهائلة في المنصب تثير تساؤلات حول المعايير التي تم اتباعها في هذه الترقية، وهل كانت الكفاءة هي العامل الأساسي، أم أن الاعتبارات الشخصية كانت هي الموجه الحقيقي.
أما هشام عجيزة، فقد انتقل من كونه ضمن فريق سكرتارية الملا إلى منصب مساعد رئيس شركة في الشركة القابضة للبتروكيماويات “إيكم”، كما تم تعيينه عضو مجلس إدارة في شركة “إييروم”، وهي قفزة غير مبررة لموظف لم يتجاوز عمره الأربعين عامًا، ويفتقر إلى الخبرات المطلوبة. هذا التعيين يعكس سياسة التفضيل للمقربين من الوزير السابق على حساب الخبرات والكفاءات الموجودة في القطاع، والتي لم تُمنح الفرصة لتولي مناصب قيادية مشابهة.
دكتور محمد الباجوري، الذي كان يشغل منصب مدير عام مساعد الإدارة القانونية بالوزارة، تم ترقيته إلى مدير عام بشركة تنمية، وهي شركة استثمارية تُتيح له راتبًا مضاعفًا مقارنة بوضعه السابق. هذه الترقية، التي تفتقر إلى معايير فنية واضحة، تُبرز مرة أخرى كيف تم تجاهل الكفاءات الحقيقية في القطاع لصالح العلاقات الشخصية والمحاباة.
ومن بين التعيينات الأكثر استفزازًا، جاء تعيين محمد الدماطي، ضابط سابق بوزارة الداخلية وكان يشغل منصب الحرس الخاص للملا، كمدير عام في شركة استثمارية. هذه الخطوة مثلت تحديًا صارخًا لأبناء القطاع وخبرائه، الذين يشعرون بأنهم مهمشون في عملية الترقيات.
مؤكد أن هذه القرارات أثارت موجة من الإحباط وعدم الانتماء بين خبراء قطاع البترول والعاملين فيه، إذ يرى الكثيرون أن القطاع أصبح يسير وفق سياسة المجاملات والتفضيلات الشخصية، بعيدًا عن معايير الكفاءة الفنية والمهنية. وللحق فإن هذه التصرفات تُعدّْ تدميرًا لروح العمل والانتماء لدى الخبراء الفنين في الانتاج، وتخلق بيئة غير صحية تقوض من إمكانيات القطاع في دفع عجلة الاقتصاد القومي.
في ظل هذه الفوضى الإدارية، يبقى السؤال الأهم: أين مشروع إعادة هيكلة قطاع البترول؟ وما مصير دراسة وود ماكينزي، التي كلفت الدولة ملايين الدولارات؟ هذه الدراسة التي كان من المفترض أن تعالج الترهل الإداري والخلل في الهيكل التنظيمي للقطاع، لم تُنفذ توصياتها ووضعت في الأدراج، بينما القطاع يرزح تحت وطأة قرارات التعيين غير المدروسة.
أكدت دراسة ماكينزي على ضرورة دمج الكيانات المشابهة في عملها ونشاطها مع نشاط الهيئة العامة للبترول، مشيرة إلى عدم جدوى وجود شركات مثل القابضة لجنوب الوادي والقابضة للبتروكيماويات، والتي تقوم بنفس مهام الهيئة. تم إنشاء هذه الكيانات في عهد وزير البترول الأسبق سامح فهمي بهدف خلق فرص للتوظيف الإداري، وهو ما أدى إلى تضخم عدد الإداريين على حساب الفنيين، حيث أشارت دراسة ماكينزي إلى أن الإداريين يشكلون 70% من الكتلة التشغيلية في القطاع، وهي نسبة مقلوبة لا تخدم طبيعة العمل في مجال يعتمد بشكل كبير على الفنيين.
وفي هذا السياق، تبرز قصة إبراهيم خطاب، الذي خرج إلى المعاش ليعاد تعيينه في منصب خاص كمساعد الوزير لإعادة الهيكلة، ولمدة ثلاث سنوات دون أن يحقق أي تقدم يذكر. كُلف خطاب بمهمة إصلاح الخلل الإداري في القطاع، وبقي سنوات في الوزارة وخرج منها دون أن يُنجز مهمته، ولكنه بدلاً من ذلك، وقع مع مساعديه أحمد رندي وحسام التوني على فواتير بملايين الدولارات لدراسة ماكينزي، دون أن يتم تطبيق أي من توصياتها. فهل هناك قوى خفية تسعى لإبقاء القطاع مكبلًا وغير قادر على تحقيق أهدافه؟
إن الوضع الحالي في قطاع البترول يتطلب وقفة جادة لإعادة النظر في سياسات الترقيات، والالتزام بالمعايير الفنية والمهنية عند اتخاذ مثل هذه القرارات. لا يمكن لمستقبل القطاع أن يعتمد على الإداريين بينما الفنيون، الذين يشكلون العمود الفقري للإنتاج، يتم تهميشهم لصالح المجاملات. إن القطاع يحتاج إلى قادة حقيقيين يفهمون طبيعة وتعقيدات الإنتاج، ويدعمون الكفاءات الحقيقية بدلًا من تكريس المحسوبية.
الوزير الجديد مُطالب بأن يواجه هذا الترهل الإداري وأن يعيد ترتيب الأولويات، وأن يراجع هذه الترقيات الأخيرة، فلا يمكن أن تُهدر ملايين الدولارات على دراسات إعادة الهيكلة دون أن يُستفاد منها. كما يجب إعادة الاعتبار لأبناء القطاع، وضمان أن تكون الترقيات مبنية على الكفاءة والعمل الجاد، لا على الولاءات والمصالح الشخصية. يجب أن يُمنح الفنيون فرصتهم المستحقة، وأن يُعاد القطاع إلى مساره الصحيح كقوة دافعة للاقتصاد القومي، وليس كمسرح للمجاملات.
ولنا فى الله ظن لن يخيب
اللهم نسالك أن تولى من يصلح