كان موظفًا عندها.. لماذا يعجز وزير البترول عن الضغط على “شيفرون” في هذا الظرف الحساس
مخطئ من يظن أن وزير البترول المهندس طارق المُلّا يُحابي “شركة شيفرون” العالمية على حساب المصالح العُليا للبلاد، لكن لماذا هذا الظن؟
القصة ببساطة هي في عدم الضغط من جانب وزير البترول بالشكل اللازم لتسريع أعمال شركة سيفرون في شرق المتوسط والتراخي في بدء إنتاج الغاز من حقل النرجس بعدما تسربت معلومات من أن “شيفرون” تتلكّأ بشكل مريب في ذلك الأمر ، وأنّها لن تتمكن من الإنتاج قبل 2026، على الرغم من مرور أكثر من عام على إعلانها اكتشاف الغاز في هذا الحقل، في يناير2023. إذن ما التفسير؟ ولماذ لم يقم الوزير بواجبه في الضغط عليها؟ وهل هناك رابط بين موقف الوزير وفترة عمله بتلك الشركة قبل قدومه إلى العمل في الوزارة؟
القصة أن وزير البترول المهندس طارق المُلّا كان موظفًا في شركة “شيفرون” للبترول، قبل العمل موظفًا في الهيئة العامة للبترول، تقول المصادر أنّ المُلّا بعد عودته من أمريكا في زيارة لأسرته، طلبت السيدة الفاضلة والدته من المهندس سامح فهمي تعيين نجلها طارق في أي وظيفة بالوزارة ليبقى بجانبها في مصر، وهو الطلب الذي استجاب له سامح فهمي على الفور، عيّنه موظًا في هيئة البترول، لكن ما هي إلّا إيام على هذا التعيين حتى اندلعت أحداث 25 يناير، ليخرج الوزير سامح فهمي من الوزارة إلى السجن، ويضع “المُلّا” يديه على سُلّم الصعود السريع، والسريع جدّا في الوزارة.
حطّت أقدام المُلّا على الوزارة لتكون بداية لأسوأ أيام سامح فهمي في حياته، وقّع القرار من هنا، ليخرج بعدها في دوّامة الدفاع عن نفسه أمام القضاء ببدلة السجن، في تُهم عديدة، بينما المهندس طارق المُلّا يرتدي أبهى ثيابه فرحًا بالعمل الجديد.
في فترة التخبط الإداري بوزارة البترول، وتقلّب أكثر من وزير على الوزارة وخلال عام وبضعة شهور فقط، صعد الموظف طارق الملًا صعودًا سريعًا بالهيئة، حيث تولى الموظف الجديد مناصب نائب الرئيس التنفيذي للهيئة للتجارة الخارجية والداخلية والعمليات، ليصعد بعدها صعودًا جديدًا وغريبًا آنٍ واحد، في أغسطس 2013 يتولى منصب الرئيس التنفيذي للهيئة المصرية العامة للبترول، هكذا دفعة واحدة وخلال أقل من عامين، ثم ومن بعدها يقفز القفزة الأعلى في تاريخ الوزارة، أن يتقّلد هذا الموظف القادم لتوّه، منصب وزير البترول الجديد في مصر، فقط بعد 4 أعوام من تعيينه موظفًا بإحدى الوظائف في أحد قطاعاتها، فيصبح أطول الوزراء عمرًا في المنصب،متقلّدًا إيّاه من سبتمبر 2015 وحتى الآن.
في 10 مايو 2017 قام الرئيس الفرنسي بمنحه وسام جوقة الشرف برتبة فارس، وهو وسام نحتاج إلى معرفة الأعمال الجليلة التي قدّمها “المُلّا” إلى الدولة الفرنسية حتى يحصل عليه، كما ونحتاج إلى الخدمات الجليلة الاُخرى التي قدّمها إلى دولة اليونان حتى يمنحه الرئيس اليوناني في 10 نوفمبر 2020 أعلى وسام تمنحه بلاده للمواطنين الأجانب ، وهو وسام درجة قائد في كتيبة الفينيق.
لغز شيفرون .. هل تتآمر الشركة على مصر؟
في 15 يناير 2023 اُعلن عن اكتشاف ضخم للغاز الطبيعي في المياه المصرية بحقل النرجس، وجاء في الإعلان وقتها أن طاقته الإنتاجية تصل إلى ما يزيد عن 3.5 تريليون قدم مكعب، الحقل الذي تديره شركة شيفرون، يقع على بعد 60 كيلومترًا شمال شبه جزيرة سيناء في المياه المصرية داخل البحر الأبيض المتوسط، ويُعد تطويرًا سريعًا للبنية التحتية الحالية لشركة إيني،
وقتها أكدتا، شركة شيفرون الأمريكية التي تملك (45%) من إدارة الحقل وشريكتها إيني التي تملك حصة مشابهة(45%) أيضًا، أكّدتا؛ “اكتشافًا جديدًا مهمًا للغاز” بعد حفر بئر استكشاف نرجس -1 في منطقة النرجس، بمخزون يقترب من 3.5 تريليون قدم مكعب من الغاز.
ورغم الانتهاء من حفر البئر الاستكشافي في يناير 2023، إلّا أن المعلومات الواردة من داخل شركة “شيفرون” تقول إنها لن تتمكن من الإنتاج إلا في 2026، وهو لغز يجب على الوزير طارق المُلّا أن يخرج إلى الرأي العام المصري لتفسيره، والإجابة عن السؤال: لماذا تتلكأ الشركة الأمريكية التي كان الوزير موظفًا سابقًا فيها عن الوفاء بتعهداتها المنصوص عليها في الاتفاقيات المبرمة بينها وبين الحكومة المصرية؟ وما هو موقف شركة ثروة الحكومية التي تملك 10% من إدارة الحقل حيال هذا الموقف المريب؟
الحفر الاستشكافي الذي اُعلن عنه قبل أكثر من عام وتم بواسطة سفينة الحفر ستينا فورث، كان بمثابة طوق نجاه حقيقي للاقتصاد المصري، ودفعة كبيرة لمصر التي شهدت انخفاضًا في إنتاجها من ذروة بلغت 7.2 مليار قدم مكعب يوميًا إلى 6.5 مليار قدم مكعب يوميًا، ثم انخفض إنتاج الغاز في مصر إلى أدنى مستوياته في ست سنوات عند 5.84 مليار قدم مكعب في عام 2023، وعلى ذلك فكان ضغط طارق المُلّا ضروريًا لتسريع وتيرة العمل في الحقل الجديد، دعمًا للاقتصاد المصري الذي يشهد الآن مرحلة حساسة في تاريخه، فلماذا يصمت المُلّا؟
وبينما تشتهر حقول الغاز الناضجة في مصر بمعدلات انخفاضها المرتفعة، على خلاف ما يحدث في الدول المجاورة فإن الدافع الإضافي الرئيسي وراء هذا الانخفاض المستمر في إنتاج مصر من الغاز الطبيعي كان بسبب اختراق المياه لحقل الإنتاج الرئيسي في البلاد، حقل ظهر الذي تديره شركة إيني، إذ تسير ثروات مصر من الغاز جنبًا إلى جنب مع إنتاج ظهر، حيث سجل كلاهما مستويات قياسية سنوية لعام 2021، تبلغ 6.94 مليار قدم مكعب و2.74 مليار قدم مكعب على التوالي.
لكن إنتاج ظهر انخفض بشكل حاد منذ أن بلغ ذروته عند 2.96 مليار قدم مكعبة في الربع الأول من عام 2021، وانخفض إلى حوالي 2.1 مليار قدم مكعبة حاليًا. وحاولت إيني مواجهة ذلك عن طريق حفر آبار إضافية لإنتاج الغاز. ولكن على الرغم من الخطط الخاصة بمرافق فصل المياه تحت سطح البحر، فمن المرجح أن ينخفض الإنتاج أكثر في السنوات المقبلة، الأمر الذي معه كان يتحتّم على الوزير طارق المُلّا ممارسة الضغوط اللازمة على الشركات الأجنبية للوفاء بالتزاماتها، والتسريع في الدخول إلى مرحلة الانتاج.. فلماذا لم يتحرّك الوزير؟ وهو المنوط به دعم خطط الدولة في أن تصبح مركزًا إقليميّا للطاقة، فهل يمكن أن تنجح مثل هكذا خطط ومصر التي تملك مخزونًا ضخمًا من الغاز في أعماق مياهها الإقليمية أصبحت عاجزة عن استخراجه؟ في ظلّ تلكّؤ الشركات في الانتاج؟!
المعلومات تقول إن المهندس طارق الملا في لقاء سابق له مع كلاي نيف، رئيس شركة شيفرون العالمية للاستكشاف والإنتاج. تناول استعراض الموقف التنفيذي لتنمية حقل نرجس البحري الذي تم الإعلان عنه في يناير 2023، والذي تستثمر شركة شيفرون (القائم بالعمليات) في منطقة امتيازه بالاشتراك مع شركة إيني الإيطالية، وتعهد فيه كلاي نيف بتسريع العمل للدخول في مرحلة الانتاج بشكل سريع، لكن هذا التعّهد يبدو انه لم أكثر من مجرّد “فضّ مجالس” بعدما خرجت التسريبات من داخل الشركة بأنّها لن تتمكن من الانتاج قبل 2026.