الحكومة تكذب.. نعم هناك مشكلات في “حقل ظهر” تسببت في نقص إمدادات الغاز لمحطات الكهرباء
تنافر التصريحات بين "المُلّا" و "شاكر" يؤكد أن أزمة الكهرباء سببها سياسة الجزر المنعزلة
لا تؤمن الحكومة في بلادي بالمثل الشعبي القائل إنّ” الكذب ملوش رجلين”، هي تؤمن أكثر بقول جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازي: ” اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرين ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك”.
ففي أول ظهور له للتعليق على أزمة انقطاع الكهرباء في البلاد قال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، يوم الأربعاء الموافق 19 -07-2023 : ” إن سبب انقطاع الكهرباء هو تخفيف أحمال الكهرباء والذي بدأ منذ يومين، نتيجة للارتفاع الشديد في درجات الحرارة التي تشهدها مصر خلال هذه الفترة “.
وأوضح رئيس الوزراء، أن استهلاك الكهرباء في مصر، زاد بصورة كبيرة، وأدى إلى زيادة حجم استهلاك الغاز المستعمَل في إنتاج الكهرباء، وضغط شديد على الشبكات الخاصة به، مما أدى إلى انخفاض ضغوط الغاز في الشبكات الموصلة لمحطات الكهرباء.
في تصريح مدبولي؛ ما يثبت اضطراب الرجل في شرح أبعاد الأزمة، ونفيّه الضمني ثم ومن بعده الرسمي بأن يكون السبب في انقطاع الكهرباء المتواصل بالبلاد هو نقص في إمدادات الغاز، يكشف بأنه هو وحكومته كمن يتخبطهم الشيطان من المسّ، يقولون كلامًا تعجز عنه مدارك البشر، لشدّة ما يتعارض في بعضه مع بعضه.. فكيف لحكومةٍ أكدّت قبل فترة بأن مصرَ ستصبح مركزّا إقليميًّا للطاقة أن تعاني الآن من نقص في إمدادات الغاز الطبيعي بالبلاد، أو أن محطّاتها عاجزة عن توفير الكهرباء لمواطنيها؟! ، فهل يمكن لفاقد الشيئ أن يعطيه؟! .. “أن تكذب فذلك أفضل لها”.
الحكومة أصبحت اليوم في موقفٍ صعبْ.. بعد الدعايةِ الجبّارة طوال السنوات الماضية عن المكانة التي أصبحت عليها مصر كدولة مصدّرة للغاز ، وأنها ستصبح مركزًا إقليميًا للطاقة.
في البداية أوضح مدبولي أن زيادة استهلاك الكهرباء بسبب ارتفاع حرارة الجو أدّت إلى زيادة استهلاك الغاز المستعمل في انتاج الكهرباء وترتب عليه ضغط شديد على شبكات الغاز التي تربط مناطق الإمداد بمحطات الكهرباء.
وأضاف رئيس مجلس الوزراء: ” مع انخفاض الضغوط، بدأ تخفيف الأحمال منذ يومين، حتى يمكن الوصول للضغوط العادية لشبكة الغاز، والاستمرار في تخفيف الأحمال بالتناوب، حتى منتصف الأسبوع المقبل، لتستعيد الشبكة ضغوطها من الغاز”، وهذه هي تصريحات رئيس الوزراء كما نشرتها جريدة الشروق
على هذا القول لرئيس الوزراء تصبح المشكلة في شبكات أو مواسير الغاز، لأنها لم تستوعب الضغوط، لا في نقص كميّات الغاز بذاتها .. لكن الحكومة نفسها وفي موضع آخر قالت على لسان وزير البترول المهندس طارق الملّا، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» يوم الأربعاء 19 يوليو 23023-نفس اليوم الذي نُشرت فيه تصريحات رئيس الوزراء- إن وزارة البترول تعتزم استئناف تصدير الغاز المسال عبر محطتي الإسالة التابعتين لها خلال أكتوبر المقبل.
وأضاف الوزير أن استهلاك محطات الكهرباء المصرية من الغاز زاد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى رغبة الحكومة المصرية في تقليل الاعتماد على المازوت في توليد الطاقة الكهربائية مع ارتفاع أسعاره عالمياً.
كان الوزير قال بداية الشهر الحالي، إن مصر لم تصدر أي كميات من الغاز الطبيعي المسال في يونيو بسبب عوامل موسمية من بينها ارتفاع الاستهلاك المحلي؛ تقول سي إن إن.
وعلى ذلك القول- قول وزير البترول المصري- فإن الغاز المصري لم يعد فيه ما يكفي للتصدير بعد ارتفاع الطلب المحلي المستخدم في شبكات الكهرباء.
طالع تصريح وزير البترول طارق الملّا إلى سي إن إن
في اليوم التالي مباشرة 20 يوليو 2023 خرج وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر في تصريح رسمي له قال فيه: ” إن هناك أزمة فى إنتاج الكهرباء بسبب نقص الوقود ولا توجد أى مشكلة فى الشبكة الكهربائية، كاشفا أن الشبكة قادرة على توليد حتى 20 ألف ميجا وات زيادة عن استهلاك المواطنين الذى تجاوز الـ 35 الف ميجا وات خلال اليومين الماضيين”.
أي أن المشكلة في نقص الوقود لا في زيادة الأحمال بحسب تأكيد الدكتور شاكر..!
تصريح الدكتور محمد شاكر كما نقله موقع اليوم السابع
ووفقاً للتقرير السنوي الصادر عن الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» للعام المالي الماضي 2021-2022، يستحوذ قطاع الكهرباء المصري على نحو 58.3 في المئة من إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي في البلاد، أي أنه يتبقى ما نسبته 41.7 في المئة تذهب للأغراض الصناعية المحلية وللتصدير إلى الخارج، ومع توقف عمليات تصدير الغاز للخارج بحسب تصريحات وزير البترول لشبكة سي إن إن، يصبح هناك فائض في كميّات الغاز بالبلاد، يمكن توجيهه إلى محطات الوقود، التي قال وزير الكهرباء إنها قادرة على إنتاج 20 ألف ميجا وات زيادة عن استهلاك المواطنين الذى تجاوز الـ 35 الف ميجا وات خلال اليومين الماضيين.. فأين المشكلة إذن؟! .
تعالوا نطالع المواقع الدولية المتخصصة في أخبار البترول والغاز وكيف أنها على مدار عامين سابقين تنشر تسريبات عن وجود مخاطر في استمرار انتاج الغاز من حقل ظهر بسبب تسريب المياه الذي أدّى إلى تراجع في الإنتاج وهو ما تنفيه الحكومة المصرية اليوم بشكل قاطع وصارم.
في 16 اكتوبر 2020 أي قبل ثلاثة أعوام تقريبًا من الآن قال موقع “مييس” العالمي المتخصص في استخبارات البترول والغاز: ” إنّ الإفراط في تشغيل حقل ظهر توّلد عنه مخاطر في الانتاج بسبب تسريب المياه”.
وقال الموقع المتخصص في تحليل انتاج الغاز والنفط في العالم : “إنّ تلك المخاطر التي يعيشها حقل ظهر المصري شرق المتوسط حدثت بسبب رفع إنتاجية الحقل من 2.7 مليار قدم مكعب في اليوم إلى 3.2 مليار قدم مكعب في اليوم بناءً على طلب الحكومة المصرية بعد معاناة مصر من نقص في الغاز بين عامي 2014-2017 ، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي على مستوى البلاد” يؤكد تقرير ” مييس”.
وجاء في التقرير ذاته: ” في يونيو من العام الماضي-2019- في مؤتمر بالقاهرة ، حذر مندوبون من أن الإفراط في الحفر قد يؤدي إلى انهيار الخزان، لكن هذه التحذيرات ذهبت أدراج الرياح”؛ يقول “مييس“.
في 28 إبريل 2023 أي قبل ثلاثة أشهر من الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد عاود موقع “مييس” الحديث عن أزمة استخراج الغاز من حقل ظهر، وقال: ” إن حقل ظهر يشهد تسلل مستمر للمياه في الآبار ما تسبب في انخفاض الإنتاج إلى ما دون 3.2 مليار قدم مكعب في اليوم ، ومع استمرار الانخفاض في الأسابيع الأخيرة. تقوم الشركة المشغلة إيني بحفر المزيد من الآبار في محاولة لوقف الخسائر” .
الموقع أورد تفاصيل غاية في الدقّة، إذ كشف أن الحقل الذي الذي كان ينتج 3.2 مليار قدم مكعب في اليوم انخفض انتاجه ليصل إلى 2.2 مليار قدم مكعب في اليوم، أي بانخفاض قدره حوالي مليار قدم مكعّب يوميًا- أي ما يزيد 90 مليار قدم مكعب خلال الشهور الثلاثة الماضية- وأكد التقرير أن إنتاج حقل ظهر من الغاز يستمر في الانزلاق بسبب مشاكل اختراق المياه المتزايدة… رابط التقرير
وكون أن هذه المعلومات منشورة قبل 3 أشهر من الآن، ومع حدوث الأزمة التي نعيشها اليوم من انقطاع متكرر للكهرباء، ومع تأكيد وزير الكهرباء نفسه من أن الأزمة بسبب نقص في كميّات الغاز الموّردة لمحطات توليد الكهرباء.. يصبح نفي الحكومة أمس بأنه لا مشكلات في انتاج حقل ظهر من الغاز، هو كذب صريح يخلو من التجميل.
عبده مغربي
رئيس تحرير منصة بترو_بوست