قفزة بـ136 ضعفًا في الأرباح السنوية: كيف أعادت “مصر للأسمنت” رسم خريطة الصناعة في عام واحد؟

تقرير : بترو- بوست
سجّلت مجموعة مصر للأسمنت خلال عام 2024 إنجازًا غير مسبوق، بعدما قفز صافي أرباحها إلى 272 مليون جنيه، مقارنة بـ16 مليون جنيه فقط في عام 2019، و115 مليون جنيه في 2023. هذا النمو الهائل، الذي تجاوز 136% خلال عام واحد، لم يكن مجرد تحسّن مالي بل بمثابة تحول استراتيجي شامل أعاد رسم خريطة صناعة الأسمنت في مصر، في وقت تواجه فيه الصناعة تحديات داخلية وخارجية ضاغطة.

وفي خضم هذه الطفرة، يطرح الخبراء والمراقبون سؤالًا جوهريًا: ما السر وراء هذا النمو المفاجئ؟ وهل يمثل نموذج “مصر للأسمنت” انطلاقة جديدة للصناعة أم حالة استثنائية يصعب تكرارها؟
من التراجع إلى الانطلاقة: خطة تحول شاملة بقيادة “جبري”
منذ تولي حسن جبري منصب العضو المنتدب والرئيس التنفيذي للمجموعة في فبراير 2024، شرعت الشركة في تنفيذ استراتيجية تحول جريئة ارتكزت على أربعة محاور رئيسية:
- تعظيم الكفاءة التشغيلية: عبر تقنيات متقدمة قللت من الفاقد الإنتاجي ورفعت كفاءة التشغيل، مما أدى إلى خفض كبير في التكاليف دون المساس بجودة المنتج.
- إعادة هيكلة منظومة الطاقة: بتنويع مصادر الطاقة والاعتماد المتزايد على بدائل نظيفة وأقل تكلفة، مما خفّض الاعتماد على الفحم الذي شهد ارتفاعًا حادًا في الأسعار خلال السنوات الأخيرة.
- تنويع مصادر الإيرادات: عبر التوسع التصديري، لا سيما إلى الأسواق الأفريقية والعربية، ما ساهم في تعويض التباطؤ المحلي في الطلب على الأسمنت.
- التحول الرقمي والتقني: من خلال الاستثمار في التكنولوجيا الذكية والتصنيع الحديث، لزيادة القدرة الإنتاجية وتقليص نسب الأعطال ورفع الكفاءة البيئية.
القيادة الاستباقية: رؤية متكاملة لإدارة التحديات
يرى مراقبون أن الأداء اللافت للشركة لم يكن ليتحقق دون إدارة ديناميكية تملك رؤية استباقية قادرة على التعامل مع متغيرات السوق بمرونة واحتراف. وقد أكّد “جبري” في تصريحات خاصة:
“ما تحقق خلال عام لم يكن محض صدفة، بل نتيجة خطة متكاملة وتضافر جهود فريق عمل مؤهل، واعٍ بمفهوم التطوير المستدام والربحية طويلة الأمد”.
من جانبه، أشاد اللواء أ.ح السيد عبد الفتاح حرحور، رئيس مجلس إدارة المجموعة، بقدرة الإدارة الجديدة على تحقيق توازن نادر بين خفض التكاليف وتعزيز الجودة، معتبرًا أن ما تحقق هو انعكاس مباشر لفكر استراتيجي محكوم برؤية تنموية أوسع تخدم الاقتصاد المصري ككل.

مشهد السوق: تحديات محلية وفرص تصديرية
جاءت هذه الطفرة في الأرباح رغم مناخ مليء بالتحديات في قطاع الأسمنت، أبرزها:
- ارتفاع تكلفة الطاقة ومدخلات الإنتاج
- تباطؤ الطلب المحلي في ظل تراجع المشروعات العقارية والبنية التحتية
- منافسة سعرية حادة داخل السوق المصري
إلا أن “مصر للأسمنت” تمكنت من كسر القاعدة، عبر استغلال خبرة “جبري” في مبيعات الأسواق الخارجية، ما ساعد على فتح قنوات جديدة للتصدير، وبالتالي تجاوز حالة الركود المحلي.
ضبط النفقات وإعادة هندسة العمليات
اعتمدت الإدارة الجديدة نهجًا دقيقًا في ضبط الإنفاق التشغيلي، شمل:
- إعادة التفاوض مع الموردين للحصول على أفضل الأسعار للمواد الخام.
- تبني حلول لوجستية أكثر كفاءة لخفض تكاليف النقل والتخزين.
- برامج تدريب وتطوير الكوادر البشرية لزيادة الإنتاجية وتحسين الأداء.
كل هذه العوامل أسهمت في تعظيم القيمة المضافة للمنتج النهائي، وهو ما ساعد على تعزيز قدرة الشركة التنافسية سواء داخل السوق أو خارجه.
خارطة طريق للمستقبل: التوسع والتصنيع النظيف
وفقًا للمصادر داخل المجموعة، تستعد الشركة لمرحلة جديدة من التوسع، تشمل:
- التمدد في الأسواق الإقليمية، خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط.
- الاستثمار في تقنيات التصنيع النظيف، لتقليل الانبعاثات الكربونية وتماشياً مع الاتجاهات العالمية في الصناعة المستدامة.
- رفع جودة المنتجات بما يتماشى مع المعايير الدولية، لتعزيز التصدير وزيادة الحصة السوقية.
التأثير الاقتصادي: ما وراء الأرقام
النجاح المالي لمصر للأسمنت لا يقتصر على أرقام الميزانية، بل يمتد تأثيره إلى:
- خلق وظائف جديدة في مجالات الطاقة البديلة، والتوزيع، والتسويق.
- دعم ميزان المدفوعات المصري عبر تعزيز الصادرات وزيادة تدفقات النقد الأجنبي.
- تحفيز استثمارات جديدة في قطاع الأسمنت والمجالات المرتبطة به.
فاصل حاسم في تاريخ الصناعة؟
ما حققته “مصر للأسمنت” في عام 2024 يشير إلى نموذج متقدم لإدارة الأزمات وتحقيق النمو تحت الضغط. ويبقى السؤال مطروحًا:
هل يشكل هذا الإنجاز بداية موجة تحول هيكلي لصناعة الأسمنت المصرية، أم أنه سيظل نموذجًا منفردًا يصعب تكراره في بيئة لا تزال تعاني من تحديات معقدة؟
الأشهر القادمة قد تحمل الإجابة، لكن المؤكد أن ما تم إنجازه يعيد تعريف ممكنات النجاح في واحدة من أكثر الصناعات ارتباطًا بالنمو الاقتصادي والتحولات الجيوسياسية في المنطقة.